الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 6/ربيع الاول/1437هـ الموافق 18/كانون الأول/2015م
الأمر الاول:
لقد كان ولا زال لدماء الشهداء ، الدور الاساس في الدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته وحفظ وحدته وحماية اعرض مواطنيه ودرء شر العصابات الارهابية ، التي خططت لمسخ هويته الوطنية وتمزيق نسيجه الاجتماعي .
فللشهداء فضل على الشعب العراقي بجميع اطيافه وطبقاته ومكوناته ، واذا كان الشهيد في غنى عن الناس لأنه في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فإن رعاية ايتامه وعائلته واداء حقوقهم وتوفير العيش الكريم له هو اقل ما يقتضيه الوفاء لدمه الزاكي وروحه الطاهرة ، وهو مسؤولية كبيرة على اعناق الجميع ، سواء الحكومة بمؤسساتها المختلفة او غيرها من الجمعيات الخيرية والمنظمات الانسانية ، بل كل شخص قادر على القيام بهذه المهمة ولو من بعض جوانبها .
واذا كانت العناية الالهية بأهل الشهيد قد بلغت حداً ، ان جعل الله تعالى نفسه خليفة الشهيد في اهله وقال (( ان من ارضاهم فقد ارضاني ومن اسخطهم فقد اسخطني )) ، كما ورد في بعض الاحاديث الشريفة ، كان لزاماً على الجميع ان يفوا للشهيد حق الاستخلاف في اهله واولاده ، ويحفظوا لهم كرامتهم ، ويؤدوا اليهم حقوقهم المعنوية والمادية .
ومن المؤسف ما يُسمع من شكوى العديد من عوائل الشهداء ، من تعقيد الاجراءات الرسمية لدى بعض المؤسسات الحكومية في انجاز معاملاتهم لحصولهم على حقوقهم وصرف رواتبهم ، وكذلك ما يلاحظ احياناً من تأثير الخلافات العائلية والعشائرية على انجاز معاملاتهم حيث يصر بعض اقرباء الشهيد على حجب بعض الوثائق الرسمية عن زوجته واطفاله لأغراض خاصة ، ان هذا كله لا يليق بمكانة الشهيد وتضحيته وما قدمه في سبيل حفظ البلد واهله ، ومن هنا نؤكد مرة اخرى على الجهات ذات العلاقة ببذل اقصى الجهود لتسهيل معاملات عوائل الشهداء وتبسيط اجراءاتها ، كما ندعو اقرباء وعشائر الشهداء ان يكونوا عوناً وسنداً لعوائلهم وايتامهم وزوجاتهم في تحصيل حقوقهم ، وان يمدوا اليهم يد العون والمساعدة مهما امكنهم ذلك ، ويسعوا الى احتضانهم ورعايتهم مادياً ومعنوياً بحيث لا يشعروا بفقدان كافلهم ومعيلهم ، فإن في ذلك مثوبة عظيمة وفوائد دنيوية لا تحصى .
الأمر الثاني :
في الوقت الذي تشهد فيه ساحات القتال انتصارات متتالية للقوات المسلحة ومن يساندهم من المتطوعين ومقاتلي العشائر العراقية الاصيلة ــ وكان آخرها ما قام به المقاتلون الابطال من تحرير معظم مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار ــ فان مختلف القوى والاطراف العراقية التي يهمها مستقبل هذا البلد وتخليصه من ازماته الراهنة ، وتسعى الى توفير العيش الكريم لجميع مواطنيه في امن وسلام مع الحفاظ على وحدة اراضيه ، مدعوة الى ان تكثف جهودها و تزيد من مساعيها للتوافق على خطة وطنية متكاملة تفضي الى تحرير الاجزاء المتبقية التي لا تزال ترزح تحت سلطة عصابات داعش الارهابية ، بعيداً عن بعض المخططات المحلية او الاقليمية او الدولية التي تستهدف ــ في النهاية ــ تقسيم البلد وتحويله الى دويلات متناحرة لا ينتهي الصراع بينها الى امد بعيد .
ان خلاص العراق وتجاوزه لأوضاعه الصعبة الراهنة ، لا يكون الا على ايدي العراقيين انفسهم ، اذا ما اهتموا بالمصالح العليا لبلدهم وقدموها على كل المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية ونحوها ، واما الاطراف الاخرى سواءٌ الاقليمية او الدولية فمن المؤكد انها تلاحظ في الاساس منافعها ومصالحها ، وهي لا تتطابق بالضرورة مع المصلحة العراقية ، فليكن هذا في حسبان الجميع .
وفقنا الله تعالى جميعاً لما فيه خير وصلاح بلدنا وشعبنا ، وعصمنا من الزلل في القول والعمل ، ودفع عنا مضلات الفتن انه سميع مجيب.
|