مشاريع عملاقة دأبت العتبة العباسية المقدسة على إنجازها وسخّرت جميع الإمكانيات والطاقات لها من أجل تحقيقها على أرض الواقع، ووضعت ثقتها بالكوادر الفنية التي تعمل تحت راية صاحب الجود، وبدأت تجني ثمار هذه الثقة بمشروعٍ جديد يُنفّذ للمرّة الأولى في العراق وهو صناعة شبّاك أبي الفضل العباس(عليه السلام)، وبتفانٍ وإخلاصٍ مستَمَدٍّ من صاحب المرقد الطاهر وبلا كللٍ أو مللٍ متسابقين مع الزمن ويتواصلُ العملُ لتحقيق هذا المنجز الكبير.
حيث بدأت هذه الكوادر العراقية إنجاز الفقرات واحدة تلو الأخرى ترافقها أعمال تركيبها على الهيكل الخشبيّ للشباك، واليوم نشهد فقرةً جديدةً تُضاف الى باقي الأجزاء التي تمّ إنجازُها وتركيبُها سابقاً، والتي تُعدّ محصّلةً لمجموعة أعمال تصنيعية وتركيبية اختزلت جميعها بالمشبّكات (الدهنات) والتي تحيط بالشباك الشريف من جميع جهاته ويبلغ عددها (14) قطعة مشبّك (دهنة).
وقد تمّت المباشرة وعلى بركة الله بتركيب هذه المشبّكات (الدهنات) على الهيكل الخشبي وبحضور الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي، من خلال متابعته المتواصلة والمستمرّة لمشاريع العتبة المقدسة والتي يقع في مقدّمتها مشروع صناعة الشبّاك الشريف لأبي الفضل العباس(عليه السلام).
طريقة التركيب تُعدّ هي الأخرى من الإضافات التي امتازت بها صناعة الشباك، حيث يتمّ تركيبه بطريقة فنية وحرفية باستخدام أدوات خاصة تجعل هذه المشبّكات وأجزائها كقطعةٍ واحدة مع هيكل الخشب من جهة ومع باقي الأجزاء من جهةٍ أخرى، وإنّ العمل يسيرُ بوتيرةٍ متصاعدة وبهمّةٍ عالية ترافقها عملية التزامٍ حرفيّ ومهنيّ بجميع فقرات ومخطّطات التصاميم الخاصة بالمشروع، والتي تمّ إعدادها وتصميمها من قبل العاملين بهذا المشروع، ليتواصل العمل لإنجاز كافة فقرات ومفاصل الشبّاك الجديد التصنيعية والتركيبية، وإنّ الدقة والتقنية التي تمّت بها صناعة هذه المشبكات وكافة أجزاء الشباك الجديد لمرقد أبي الفضل العباس(عليه السلام) هي الأولى من نوعها، ليس في العراق وحسب وإنّما في كافة الدول المختصة بصناعة شبابيك الأضرحة الشريفة والذي يُعتبر سَبْقاً للعتبة العباسية المقدسة في هذا المجال.
ومن الجدير بذكره أنّ كلّ قطعة مشبّك (دهنة) تتألف من (238 كرة كاملة) و (36 نصف كرة) و (501 مقبض "زبانة")، ويبلغ ارتفاعه (23) صفّاً وعرضه (12) صفّاً من الكرات، كما يبلغ سُمْك الكرة الواحدة (3ملم)، أمّا سُمْك المقابض والبالغ عددها (6,500) مقبض فيبلغ سُمْكها (6ملم) للمقبض الواحد، وجميعها مصنوعة من الفضة النقية (999) المخلوطة مع الذهب الخالص بنسبة (2%) ليحتضن هذه الكرات والمقابض جميعاً هيكلٌ من الخشب المغلّف بأشرطةٍ فضيةٍ يبلغ سُمْكُها (1,5ملم) ويعتليها مثلّثان ذهبيّان مصنوعان من الذهب الخالص عيار (22قيراطاً) وبسُمْك (1ملم) وقياس (77سم×52سم) يتوسّطُهُما تاجُ المثلّثات ويبلغ عددها (14) تاجاً، وهي أيضاً مصنوعةٌ من الذهب الخالص عيار (22قيراطاً) ولكن بسُمْك (1,25ملم).
يذكر أنّ الأمين العام للعتبة العباسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي قد صرّح في وقت سابق: "بعد أن تشرّفنا بخدمة العتبات المقدسة وجدنا أنّ الشباك الشريف للمولى أبي الفضل العباس(عليه السلام) قد مرّ عليه أكثر من أربعين سنة، وبالنتيجة تعرّضت بعض أجزائه للتلف مثل أي مُنْشَأٍ آخر، وقد تكون الصيانة الجزئية له لا تعطيه ديمومة طويلة فأصبح الكلام أن يتمّ صنع شباك جديد ولكن بنفس مواصفات الشباك القديم، وذلك لدقّة وبراعة الهندسة الفنية الموجودة فيه، ولم نتعامل بتحديد جهة معينة تتبنّى الصرف على صناعة الشباك الجديد وإنّما جعلنا كلّ الزائرين يشتركون فيه من خلال وارداته فمن أمواله وإليه يعود، حيث اشترك في تمويل المشروع الجميع، ومن مختلف الجنسيات من عراقية وخليجية وهندية وباكستانية وإيرانية وجميع محبّي أهل البيت(عليهم السلام)، وهناك بعض الجهات خارج العراق ادّعت أنّها تصنع الشباك ونحن نؤكّد أنّ هذه المعلومات عارية عن الصحة، فالشباك يُصنع هنا بأيادي عراقية تمتلك الخبرة الكافية، حيث تمّ الاعتماد على الصاغة والفنيين العراقيين الذين يتمتعون بالقدرة على هذا الإنجاز.