تناول ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطيب وإمام الجمعة في كربلاء المقدسة في خطبته الثانية من صلاة الجمعة التي أُقِيْمَتْ في الصحن الحسيني الشريف في(3/ربيع الأول/1436هـ)الموافق(26/12/2014م) أمرين وجاءت كما يلي:
الأمر الأول:
تستمر منازلة الجيش وقوات البيشمركة والمتطوعين مع عصابات (داعش) الإرهابية في مختلف المناطق، وقد تحققت لهم انتصارات مهمة في العديد من مواقع القتال خصوصاً في مطار تلعفر ومستشفى المدينة وتمت استعادة أغلب قضاء سنجار في الأيام الأخيرة، فجزى الله تعالى الجميع خير الجزاء على بطولاتهم وتضحياتهم.
والمأمول من قواتنا المسلحة البطلة أن لا تسمح بحصول ثغرة هنا أو هناك كما حصل في بعض المناطق فعادت العصابة الإرهابية إليها بعد أن تم تحريرها ببذل الكثير من الأرواح والدماء.
إن المأمول منكم يا أبطال الجيش ومن التحق بالجيش من المتطوعين عدم إعطاء أي فرصة للعصابات الإرهابية لتعود مرة أخرى للمناطق المحررة من إجرامها وشرورها – فإنكم بشجاعتكم وبسالتكم وتضحياتكم قادرون -إن شاء الله تعالى- على الحفاظ على النصر وإدامته والتقدم نحو بقية المناطق لتحريرها من هذه العصابات الإجرامية.
الأمر الثاني :
في خضم الحديث المتداول حول كيفية مواجهة النقص في الموارد المالية المطلوبة لسد العجز في موازنة العام القادم ، وما تبعه من تخفيض في الموازنة الاستثمارية التي ستؤثر – بلا شك- كثيراً في تغطية المشاريع والخدمات التي يتأملها المواطنون منذ زمن طويل وتقليلها لفرص العمل لعدد كبير من خريجي الجامعات وعموم المواطنين ممن هم بحاجة ماسة إليها لسد حاجاتهم الأساسية... فإن في مثل هذه الظروف والأحوال التي يمكن أن تتكرر مستقبلاً لا يصح أن يقتصر على اتخاذ إجراءات آنية عاجلة وإن كانت هي مطلوبة بل وضرورية بكل تأكيد بل لابد من وضع دراسة مالية واقتصادية شاملة من قبل مجموعة من أصحاب الاختصاص والخبرة تتشكل من جميع الوزارات والدوائر المعنية، ويمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى مرت بظروف مشابهة.
إن المسؤولية تجاه هذه الظروف هي مسؤولية وطنية تضامنية، أي يتحملها الجميع بدءاً من أعضاء مجلس الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة وأعضاء مجلس النواب وسائر موظفي الدولة وحتى عموم المواطنين، والمطلوب هنا استشعار الجميع بأنهم مسؤولون في المساهمة- كل حسب موقعه وقدرته- للخروج من الأزمة والوصول إلى الوضع الأفضل.
فبالإضافة إلى ضرورة فتح واعتماد منافذ جديدة للموارد المالية الوطنية كتطوير قطاع الصناعة والزراعة والسياحة وتقديم التسهيلات للقطاع الخاص في المجالات المذكورة لابد من الاعتماد على الكفاءات الوطنية مهما أمكن وعدم الاتكال على الخارج في ما يمكن توفيره محلياً من الاحتياجات والموارد.
إننا واثقون تماماً أن العراقيين عامة والمسؤولين في البرلمان والحكومة بصورة خاصة لو استنهضوا هممهم وقرروا وصمموا أن يعبروا هذه الظروف الاستثنائية بإرادة صادقة وفجروا طاقاتهم وإمكاناتهم العلمية والوظيفية وتعاونوا على محاربة الفساد بإرادة جدية والذي سيوفر للبلد أموالاً طائلة لتمكنوا – بعون الله تعالى- من أن يحققوا ما يأملونه من تجاوز هذه المرحلة من دون أن تتوقف عجلة التنمية والخدمات مثلما حققت القوات المسلحة الكثير من الانتصارات في ميادين القتال والدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته أمام هجمة العصابات الإرهابية كما أن الموظف في دوائر الدولة العراقية كافة مطلوب منه أن يستفرغ طاقاته وإمكاناته مع ترشيد النفقات وتجنب الاستهلاك غير الضروري... وأن يعمل المواطن أيضاً على ترشيد استهلاكه في كل مما تحمل دوائر الدولة فيه مصاريف باهضة كالخدمات العامة من الكهرباء والماء والنظافة وغيرها...
وإن كثيراً من الدول لا تمتلك ثروات كما يمتلكه العراق من النفط وغيره ولكنها استطاعت بفضل خططها الاقتصادية العلمية وتحمل موظفيها ومواطنيها بصورة عامة للمسؤولية الوطنية في دعم اقتصاد البلاد باستفراغ طاقاتها العلمية والفنية وترشيد استهلاكها واحترامها للعمل والوقت... استطاعت أن تحقق تقدماً ثابتاً ساهم في استقرارها وسعادة مواطنيها...
إن التضحيات العظيمة التي يقدمها مقاتل القوات المسلحة والمتطوعون بصورة عامة في ميادين القتال والمنازلة مع الإرهاب يجب أن يحاكيها اليوم كبار المسؤولين وأصحاب الدرجات الخاصة وغيرهم في التضحية ببعض امتيازاتهم المالية وغيرها وتقتضي من موظفي الدولة من أطباء ومهندسين وفنيين وأساتذة جامعات وغيرهم ومن عموم المواطنين بذل تضحيات وجهود في ميادين العمل والبناء واستثمار الطاقات والوقت لتوفير المال وتقديم الخدمات بما يعين البلد على تجاوز الظروف المالية الراهنة.