تناول ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطيب وإمام الجمعة في كربلاء المقدسة في خطبته الثانية من صلاة الجمعة التي أُقيمت في الصحن الحسيني الشريف في( 5/صفر/1436هـ) الموافق( 28/11/2014 م) ، ثلاثة أمور والتي جاءت كما يلي:
الأمر الأول :
في الوقت الذي نحيي فيه قواتنا المسلحة التي تساندها أفواج المتطوعين والعشائر وكذلك قوات البيشمركة على الانتصارات الرائعة التي حققتها في تحرير معظم مدينة بيجي وفك الحصار عن المصفى -الذي يستحق مقاتلوه الشجعان الصامدون كلَّ تكريمٍ وتبجيلٍ- وكذلك تحرير مدينة جلولاء والسعدية وصمود القوات الأمنية والعشائر في محافظة الأنبار في صد هجمات داعش على مدينة الرمادي نودُّ أن نبيّن ما يلي :
1- أنّ التلاحم الوطني الذي عبرت عنه صنوف المقاتلين من الجيش وقوات الحشد الشعبي والعشائر وقوات البيشمركة – وهم يمثلون مختلف شرائح ومكونات الشعب العراقي- كان وراءه هو الشعور العالي للجميع بالمسؤولية الوطنية ، فوقفوا بأجمعهم صفاً واحداً في القتال حمايةً لبلدهم العراق وحماية مقدساته وأرواح وأعراض مواطنيه، إنّ تلك الانتصارات لم تكن لتتحقق لولا هؤلاء الأبطال وما اتّصفوا به من الإرادة الصلبة والعزيمة الراسخة والشجاعة الفائقة والاستبسال الكامل للدفاع عن شعبهم وما امتازوا به من إخلاص في نواياهم وحب لبلدهم مما دفعهم إلى التضحية بنفوسهم – وهي أغلى ما عندهم- دون أنْ يفكّروا بمكاسب شخصية من مال أو منصب أو غيرذلك.
2- إن الانتصارات بملاحظة الأسباب المذكورة الموصلة إليها تعطي دروساً كبيرة للكتل السياسية والأحزاب وقادة البلد الذين يمسكون بزمام الأمور.
فقد آن الأوان لسياسيينا ولكل من يعمل في مؤسسات الدولة من مختلف صنوف الموظفين وغيرهم أن يتعلموا الدروس والعبر من هذه الانتصارات ومن بطولات هؤلاء المقاتلين ويجعلوهم قدوة ونبراساً لهم – وهم أمثلة حيّة مجسدة على أرض الواقع وليست قصصاً تُقْرَأُ وقد سُطّرت في بطون الكتب- فإن الخروج من الوضع المأساوي الراهن للبلد وتحقيق طموحات أبنائه في الاستقرار والأمن والازدهار يتطلب تجسيد مواقف هؤلاء الأبطال في ساحات القتال مع الإرهاب الداعشي على مستوى الأداء السياسي والإداري والمالي والاقتصادي والخدمي – فحينما يتوفر الإخلاص للوطن وصفاء الضمير ونزاهة اليد وحب الخدمة والترفع عن الامتيازات الشخصية والحزبية ويشعر الجميع بأنهم مسؤولون مسؤولية وطنية واحدة أمام بلدهم وشعبهم فإننا حتماً سننتصر في كل الميادين الخدمية والاقتصادية والإدارية والمالية وغيرها..
3- إننا مسؤولون جميعاً ابتداءً من أعضاء الحكومة ومجلس النواب ثم الأحزاب والقوى السياسية والجهات الدينية والإعلامية والثقافية وغيرها مسؤولون عن الحفاظ على زخم هذه الانتصارات وذلك بإدامة الدعم المعنوي خاصة لهؤلاء المقاتلين جميعاً سواء كانوا من القوات المسلحة أو المتطوعين أو العشائر أو البيشمركة .. وتعزيز الدعم اللوجستي لهم بالسلاح والعتاد .
ونؤكد هنا على ضرورة الابتعاد عن لغة التعميم في اتهام أصناف من المقاتلين بممارسات غير مقبولة في مناطق القتال، فإن تلك الممارسات لا تمثل النهج العام لهم بكل تأكيد بل إن معظمهم إنما دفعهم حبهم للوطن ومقدساته للتضحية بأنفسهم وتعريض عوائلهم للمعاناة من دون الطمع في شيء من حطام الدنيا‘ ويتمثل الحل الصحيح – قبل أن تتفاقم المشكلة – في مزيد من التوجيه والنصح من جهة، واتخاذ الإجراءات المناسبة من قبل الجهات المختصة لمعالجة الخروقات من جهة أخرى – وقد أكدنا سابقاً على الجميع حرمة التعرض لأي مواطن بريء في دمه أو ماله أو عرضه مهما كان انتماؤه الديني أو المذهبي أو المناطقي وعلى ضرورة الحفاظ على أموال المواطنين في المناطق التي يجري فيها القتال وعدم التعرض لها أبداً.
4- إننا نؤكد مرة أخرى على أهمية تطهير مؤسسات الدولة الأمنية والمدنية من الفاسدين حتى وإن كانوا في مواقع مهمة في هذه المؤسسات وعلى المسؤولين المعنيين بذلك أن لا تأخذهم في الحق لومة لائم خصوصاً بعد ما اتضح للجميع أن أغلب المآسي التي يمر بها العراق إنما تعود في سببها الأساس إلى استشراء الفساد بصورة كبيرة والذي بات معروفاً بكثير من تفاصيله للقاصي والداني .
إننا بحاجة إلى تعاون الجميع خصوصاً الكتل السياسية في إيقاف هذه الآفة الخطيرة ووضع حد لبعض الإجراءات التي تأخذ طابع الفساد المقنّن خصوصاً في الرواتب والامتيازات والتعيينات بعناوين لا مبرر لها إلا إرضاء أحزاب أو كتل سياسية أو قادة سياسيين أو محسوبين على هذا الحزب أو ذلك – وترشيد النفقات خصوصاً في المجالات التي لا ضرورة لها في الوقت الحاضر.
الأمر الثاني :
مع اقتراب أيام زيارة الأربعين وتوافد الملايين من محبي الإمام الحسين (عليه السلام) لأداء مراسم الزيارة نودّ التأكيد على ما يلي :
1- تعاون المواطنين مع الأجهزة الأمنية لحماية الزائرين وعدم التذمر والسخط بسبب ذلك ولكن في نفس الوقت نأمل من الإخوة في الأجهزة الأمنية الذين نُقدِّر عالياً جهودَهم أن يتفهّموا أن الزائرين – وهم بالملايين – قد قطعوا مئات الكيلومترات سيراً على الأقدام للوصول لمرقد سيد الشهداء (عليه السلام) فهم بحاجة إلى الكلمة الطيبة والتعامل الحسن وتخفيف الإجراءات الأمنية المُرْهِقة لهم – مهما أمكن ذلك- خصوصاً قطع الطرقات من مسافات بعيدة فإنّ ذلك يخلق مشاكل كبيرة ولا سيما لكبار السن من الزائرين والمعاقين والنساء والمرضى.
ونوصي الإخوة في المطارات والحدود تسهيل إجراءات الدخول للزائرين غير العراقيين من أجل إعطاء الفرصة لأكبر عدد منهم لتحقيق أُمْنِيَتِهم التي قطعوا الآف الكيلومترات من أجلها ألا وهي زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) .
2- يشتكي الكثير من الزوار الوافدين أن بعض أصحاب الفنادق يرفعون الأسعار في موسم الزيارة بمقدار فاحش، وهذا أقل ما يقال عنه إنه أمر غير لائق ولا سيما بمن هم في جوار أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) وفي مناسبة دينية يُفترَض بالمؤمن أن يُسَهِّل فيها لأخيه الزائر أمورَه ويرعاه بما يتيسر له.
إنّ أخلاق الإسلام والمُروَّة الإسلامية والإنسانية تأبى ذلك – فلا نجعل من أنفسنا مصداقاً لقول الإمام (عليه السلام) الناس عبيد الدنيا والدين لَعِق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا مُحِّصُوا بالبلاء قلّ الدّيّانون.
الأمر الثالث :
يشتكي الكثير من المواطنين من إطلاق العيارات النارية عند تشييع جنائز الشهداء – تغمدهم الله برحمته الواسعة وأسكنهم فسيح جناته- إننا في الوقت الذي نُقَدِّر عالياً تضحيات هؤلاء الشهداء الكرام ونواسي عوائلهم ونعزيهم فإننا نرجو من أهاليهم وعشائرهم أن يتركوا هذه العادة غير الصحيحة ولاسيما مع تسبب الإطلاق العشوائي في إصابة الكثير من المواطنين الأبرياء وأداء ذلك إلى وفاة بعضهم وإعاقة البعض الآخر إضافة إلى الهدر في المال.