شرف الخدمة الحسينية التي دأبت مواكب الولاء العاشورائية لم تقف عند حدود المناسبات والزيارات المليونية التي تشهدها المدن المقدسة على مدار أيام السنة فحسب، بل تعدّاه الى وقوفها المشرّف في الكوارث والملمّات وليس انتهاءً بالمناسبات الوطنية.
فكانت تلك المواكب الحسينية خير مصداق للحديث النبويّ القائل: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وهذا الكرم الحسيني لم يكن بالمُستغرب على سكنة مدينة الحسين(عليه السلام) الذين ألفوا التشرّف ببذل الغالي والنفيس في خدمة الإسلام والإنسانية.
ومن هذا المنطلق فقد هرع أصحاب المواكب الحسينية لخدمة المهجّرين من المحافظات الشمالية، والتي اضطرّتهم العصابات التكفيرية والإجرامية وعدوّة الإنسانية على ترك منازلهم ومناطقهم، والتي كان أغلب حالاتها هي لأسباب طائفية ومذهبية بحتة، فكان لمحبّي وأتباع أهل البيت(عليهم السلام) النصيب الأكبر والأعمّ من هذه الجرائم التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
العتبة العباسية المقدسة بدورها وضمن أعمال لجنة إغاثة المهجّرين فيها قد سهّلت دخول أصحاب المواكب لمدينة كربلاء، وتمّ توزيعهم على محاور المدينة الخارجية والداخلية من أجل القيام بأعمالهم التي اعتادوا على القيام بها من تقديم خدمات واعتمادها كمطابخ مركزية لطبخ الطعام للمهجّرين، ولضمان مركزية العمل وعدم تبعثره فقد تمّ تزويد أصحاب هذه المواكب بالعوائل التي يقوم بخدمتهم وتقديم وجبات الطعام لهم وبالتنسيق مع لجنة إغاثة المهجّرين في العتبة العباسية المقدسة، ويكون مصدر تمويلهم بالمواد الغذائية والجافة بالدرجة الأولى من العتبة المقدسة، والباقي من أصحاب الموكب أو الهيأة الحسينية ومن تبرّعات ميسوري الحال.
شبكة الكفيل كانت لها جولة في بعض تلك المواكب فالتقت بالحاج عبدالستار عبدالجبار كفيل هيأة قطيع الكفّين فبيّن قائلاً: "نحن نفتخر بأن نقدّم هذه الخدمة لكلّ من لاذ وجاء الى مدينة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس(عليهما السلام)، وقد تركنا أهلنا ومشاغلنا وتوجّهنا للمشاركة في هذه الخدمة، والتي نعتبرها نوعاً من أنواع الخدمة الحسينية؛ لأنّهم هُجّروا وشُرّدوا بسبب انتمائهم الحسينيّ ورفضهم للانتماء الأموي اليزيدي".
أمّا الحاج عدي جاسم كريم من موكب أهالي العمارة والذي تمّ اعتماد موكبه كأحد المطابخ أيضاً، فأضاف: "نحن توارثنا الخدمة الحسينية أباً عن جدٍّ وهي تجري في دمائنا، وحرصنا على أن ننقلها الى أطفالنا من أجل المساهمة في خدمة محبّي الإمام الحسين(عليه السلام)، وتمّ تنظيم عملنا بالتنسيق مع لجنة إغاثة المهجّرين في العتبة العباسية المقدسة، والتي لم تألُ جهداً على تذليل الصعاب وهي تعمل على تقديم كلّ ما من شأنه أن يخفّف عن كاهل هذه العوائل وحسب الإمكانيات المتاحة، ووزّعت الأعمال بيننا وكانت على شكل وجبات من أجل استمرارية العمل وديمومة هذه الخدمة".
يُذكر أنّ العتبة العباسية المقدّسة وانطلاقاً من واجبها الأخلاقي المُراعي لتوجيهات المرجعية الدينية العُليا بالوقوف مع العوائل النازحة موقفاً إنسانياً، قد شكّلت لجنةً مختصّةً بالإشراف على استقبال النازحين من المناطق الساخنة التي شهدت أعمال قتلٍ وتهجير، والعمل على تهيئة مستلزماتهم المكانية والمعيشية وضمن إمكانياتها المتاحة التي سخّرتها لهذا الغرض، وقد وصل عدد المهجّرين الذين تمّ استقبالهم الى أكثر من (18,000 شخص) أغلبهم من أهالي مدينة تلعفر ومعظمهم من الأطفال والنساء، وقد كان تهجيرهم لأسبابٍ طائفية ومذهبية.