الخطبة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أبي القاسم محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين..
الحمدُ لله الذي أدعوه فيُجيبُني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني، والحمدُ لله الذي أسألُهُ فيُعطيني وإن كنتُ بخيلاً حين يستقرضني، والحمدُ لله الذي أناديه كلّما شئتُ لحاجتي، وأخلو به حيث شئتُ لسرّي بغير شفيعٍ فيقضي لي حاجتي..
إخوتي الأفاضل أخواتي المؤمنات السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.. أوصيكم إخوتي أخواتي ونفسي الجانية بتقوى الله تبارك وتعالى، والامتثال لأوامره والانزجار لنهيه، ألبسنا الله تعالى وإيّاكم لباس التقوى فإنّه خيرُ لباس، تقبّل الله أعمالكم، ومنّ الله تعالى عليكم بالعافية، وأسعد الله لكم الأيام، وكتب لكم سعادة الدنيا، وعافاكم من جميع البلايا ومضلات الفتن، وظلّل الله على بلدنا وعلى شعبنا بالأمن والأمان، ودفع الله شرور الأعادي عن الجميع.
أبو بصير من الشخصيات المُوثّقة من أصحاب الأئمة الأطهار(عليهم السلام) ينقل روايةً عن الإمام أبي جعفر الباقر(صلوات الله وسلامه عليه) يقول -أي أبو بصير- سمعتُهُ يقول -أي الإمام الباقر قال-: [اتّقوا المحقَّرات من الذنوب فإنّ لها طالباً، يقول أحدكم أذنب وأستغفر، إنّ الله عزّوجلّ يقول: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)، وقال عزّوجلّ -يتحدّث عن لقمان-: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)].
واقعاً هذه الرواية الشريفة على وجازة عبارتها لكنّها تتحدّث عن مضمونٍ تربويٍّ كبيرٍ جدّاً، بعضُ العلماء يقسّم الذنوب الى ذنوبٍ كبيرة وذنوبٍ صغيرة، الكبيرة هي ما أوعد الله تعالى عليها نار جهنم في القرآن الكريم، والذنوب الصغيرة ما خلا ذلك، والبعض لا يقسّم الذنوب الى كبيرةٍ وصغيرةٍ وإنّما يجعل الذنوب كلّها ذنوباً كبيرة؛ لأنّها عبارة عن تجاوز لحدود الله تبارك وتعالى وهتك الستر، والذنب يمثّل حالةً من حالات التمرّد على المولى سبحانه وتعالى، وحالةً من حالات القفز على القوانين الإلهية والشرعية التي بيّنها جلّ شأنُهُ في كتابه العزيز، وبيّنها النبيّ(صلّى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار.
الإنسان عندما يتعاطى في حياته اليومية قد يصطدم ببعض الذنوب أو يصطدم بالمرغّبات للذنوب، وقد يرتكب الإنسان الذنب في غفلةٍ من الغفلات إمّا لقلّة ورعِهِ -والعياذ بالله- أو غلبةِ سلطان الهوى أو النفس وما تشتهي، ولا يوقف هذه النفس عند حدودها، لكن بالنتيجة مرغّبات الذنوب يصطدم الإنسان بها وقد يقع بالذنب، وفي بعض الحالات يحاول الإنسان أن يسهّل الخطأ لنفسه، الإنسان عندما تحلّ به مصيبة أو يحلّ به أمرٌ جَلَل يحاول أن يخفّف عن نفسه، مثلاً الإنسان عندما تقع به مصيبة كأن يُسرق مالُهُ -أجار الله الجميع- أو أن يُحرق دارُهُ -سلّم الله الإخوة- وأمثال هذه من المصائب، يُحاول أن يخفّف ذلك عن نفسه، بل من الممكن أن يعوّض ما احترق أو يعوّض ما سُرِق، والآخرون المحيطون به أيضاً يحاولون أن يخفّفوا بعبارة: (المهم سلامتك، المهم حياتك) وهذه الأمور من الممكن أن تعوّض، في القضايا الدنيوية مصائب الدنيا هذا الأمرُ حسن أن يستعيد الإنسان عافيته من خلال توهين هذه المصيبة والصبر عليها، في القضايا الأخروية قد الإنسان يقيس هذه بتلك، الإمام(عليه السلام) ينبّه الى قضية قد نكون نحن في غفلة عنها، وهي أن الإنسان قد يرتكب الذنب تسهيلاً له باعتبار أنّ هذا الذنب قد يُغْفَر بالاستغفار، فيحاول أن يشجّع نفسه يهوّن الخطب في حال ارتكاب الذنب، قطعاً هذا القياس باطل قياس الأمور الدنيوية بالأمور الأخروية في هذا الجانب قياس باطل، نعم.. هناك مسألة أخرى سنعلمها، الإنسان عندما يتعامل مع الذنب لابُدّ أن يعلم مع مَنْ يتعامل مع مَنْ يتحدّى مع مَنْ يتعرّض لسخطه قطعاً الله تبارك وتعالى، الشيطان عندما يقلّل من قيمة الذنب أمام نفسه قطعاً سيفتح له مجالاً الى أن يرتكب غيره بل سيتعوّد على الإصرار كما في الحديث: (لا صغيرة مع الإصرار)، أن يصرّ الإنسان على الذنب ثم يبدأ يستغفر فيحقِّر يعني يقلِّل قيمة الذنب، لأنّ تقليل قيمة الذنب بأنّه سيستغفر بعد ذلك فهذا الذنب قدره قليل وأن الله تعالى سيتجاوز لأنّني سأبادر بعد الذنب بالاستغفار هذا المنظور وهذه الثقافة ثقافة خاطئة، الإمام(عليه السلام) في مقام تصحيح اعتقاد الإنسان في كيفية التعامل مع الذنب، الذنب لا يُرتكب ابتداءً، نعم.. الله تبارك وتعالى يغفر، الله تبارك وتعالى يعفو، لكن متى؟ أن لا تكون للإنسان جرأة على أن يُذنب ويصرّ على ارتكاب الذنب، الإنسان يُذنب ثمّ يتوب توبةً نصوحاً خاليةً من الوساوس، فالله تعالى يتوب عليه، نعم.. إذا تداركه الشيطان أو سوّل له وحاول أيضاً أن يجعله يرتكب، نعم عليه أيضاً أن يتدارك بالاستغفار، أن يعوّد الإنسان نفسه على الاستغفار ولا يعوّد نفسه على الذنب والاستغفار هذا هو المطلوب، أن الإنسان يعوّد نفسه على الاستغفار دائماً ويجعل الاستغفار حالةً من الانقطاع الى الله تعالى وحالةً من التذكّر لله تعالى.
الإمام(عليه السلام) يقول: (اتّقوا المحقَّرات من الذنوب...) وهذا الذنب عند الإنسان لعلّه قليل حقير أمره قليل لا يُعبأ به، هذه النظرية باطلة وإنّما الإنسان يجنّب نفسه عن جميع الذنوب ما استطاع الى ذلك سبيلاً، ثم الإمام يُبيّن نكتةً مهمة في قضية المحقَّرات، قال:(...فإنّ لها طالباً..) هذه الـ(إنّ لها طالباً) ثم يربط الإمام(عليه السلام) مقولته الشريفة ببعض الآيات الكريمة مَن الذي يطلب هذه الذنوب؟ الله تبارك وتعالى، الله سبحانه وتعالى مع سعة رحمته وإنّ هذه الرحمة تسبق الغضب لكنّ الله تعالى لا يفوته شيء، الله تعالى لا يعجزه شيء، الله تعالى لا ينسى شيئاً والله تبارك وتعالى يطلبنا، نحن المطلوبون فنحن بين طالبٍ ومطلوب، الطالب هو الله سبحانه وتعالى ونحن المطلوبون، والمطلوب لا يمكن أن يفرّ من طالبه، ستُبيّن الآية من سورة لقمان الإشارة الى ذلك، لا يمكن أن يفرّ المطلوب من طالبه المراقب الدقيق المحيط الذي لا ينسى ولا يسهو، الإمام(عليه السلام) يريد أن ينبّهنا أن لا تنظرْ الى صغر المعصية ولكن انظر -الى ماذا؟- الى عظيم مَنْ عصيت الى عظمة مَنْ عصيت، فهذه المحقَّرات من الذنوب تجرّ الى عظائم الذنوب -والعياذ بالله- فضلاً عن أنّها ثقافة غير صحيحة، الإنسان يهيّئ نفسه لارتكاب الذنب لم نؤمر بذلك، تتهيّأ أنفسنا للاستغفار وللابتعاد عن الذنوب، الإمام(عليه السلام) كما قلنا يذكر حديثه الشريف ذلك ويبيّن بعض الآيات في خصوص هذا الكلام، قال: إنّ الله عزّوجلّ يقول: (إنّا نحن نُحيي الموتى ونكتُبُ ما قدّموا وآثارهم) أيّ شيءٍ يقدّمه الإنسان يعمل به يسجّله الله تعالى، ثم بعد ذلك يُبيّن على نحو القضية الكلية كما يقول مَن أعطى الأمر، كلّ شيءٍ لا يغيب عنّا شيءٌ لا صغيرةٌ ولا كبيرة، لا لحظات العيون ولا مضمرات الأفئدة (وكلّ شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين) فأيّ حيلةٍ للمطلوب من الطالب وأيّ حجّةٍ للمطلوب من الطالب وأيّ مكانٍ يحجزنا عن الطالب الذي هو الله تبارك تعالى، حقيقةً لا يوجد شيء، الإنسان يقرأ القرآن لكن في بعض الحالات لا يتأمّل وإنّما يمرّ على الآيات وذهنه قد ينصرف الى أمور أخرى، لكن نفس الآية تنطق وتُبيّن بوضوح وهذه الروايات الشريفة واقعاً هي عبارة عن أخذٍ واستنطاق من الآيات الشريفة، فهذه الآية الشريفة تُبيّن هذه القاعدة (كلّ شيء أحصيناه في إمام مبين).
نأتي الى قضية لقمان(سلام الله عليه) –لاحظوا- لقمان في مقامٍ القرآن يحكي عنه هذه القضية، والقرآن يقرّ هذه القضية: (قال يا بُنيّ إنّها إن تكُ مثقال حبّةٍ..) أصغر شيءٍ الإنسان قد يتصوّره (..من خردلٍ فتكنْ في صخرةٍ..) قطعاً صخرة مع هذه الخردلة الحبة القليلة لا تُبيَّن من جهة ولا قيمة لها، هذه الحبة أمام الصخرة لا قيمة لها، كما نعبّر ونقول: "قطرة في بحر" القطرة ما قيمتها أمام البحر؟ حتماً لا قيمة لها لكنّها لا تغيب عن الله تعالى، لا يمكن أن تضيع ولا يمكن أن تختبئ، لا يمكن أن نعمل هذا العمل والله تعالى لا يرانا، لا ليل يحجبه عنا ولا حجاب، وإنّما الله تعالى هو محيط (..أو في السماوات..) سعة السماوات إزاء هذه الحبة ما هو؟ (..أو في الأرض..) لاحظ الترقّي قد تكون هذه الصخرة بالقياس الى هذه الحبة قطعاً كبيرة، لكن عندما تُقاس هذه الخردلة الى السماوات أو تُقاس الى الأرض فكأنّها لا شيء أصلاً، الآن كم حبة رمل في الكرة الأرضية؟ قطعاً لا أحد مِنّا يقوى ولا غيرُنا على إحصائها إلّا الله تبارك وتعالى، كم قطرة في بحار الله تعالى الواسعة والمحيطات؟ لا يمكن أن نحصيها لا نقدر على ذلك، الله تبارك وتعالى مُحصي قطرات المطر وقطرات البحر وأوراق الشجر وذرات الرمل، هذه كلّها الله تعالى محصيها فلا يغيبُ عن الله تبارك وتعالى شيء وإنّما الله مطّلع، يقول: (..يأتِ بها الله..) الله تعالى يأتي بها، في لحظة يقول: هذا عملك، تقول: إلهي هذا كان عملاً صغيراً حقيراً من الذنوب، الله تعالى يأتي به وواقعاً الإنسان لا يعلم بأيّها يقع، قد الإنسان أمام نفسه هذه صغيرة لكن لها آثار هائلة، فيأتي يوم القيامة محمّلاً بأوزار هذه المعصية -والعياذ بالله-، (..إنّ الله لطيفٌ خبير)، الشاهد إخواني في قضية علاقتنا مع الله تبارك وتعالى، قطعاً نسبة العلاقة مع الله نحن عباد، نسبة العبد الى السيد نسبة المربوب الى الربّ نسبة المحكوم الى الحاكم ونسبة الصغير الى الكبير ونسبة الحقير الى العظيم -هذا واقع الإنسان- ونسبة الفقير الى الغنيّ، إنسان قد تسوّل له نفسه في أن يرتكب المعاصي في أن يتجرّأ على تجاوز الحدود التي رسمها الله تعالى، لاحظوا بعد شهر رمضان المبارك -تقبّل الله تعالى من الجميع- الإنسان يتحمّل الجوع والعطش، وتمرّ به حالات وهن القوى، كلّ ذلك في داخله امتثالاً لأوامر الله تبارك وتعالى وهو خير فعل، وهذا الهدوء وهذه السكينة منه والمسكنة والانقياد الى الله تبارك وتعالى يحجزه ذلك عن ارتكاب ما لم يُبحْه الله سبحانه وتعالى، بعد شهر رمضان قد الإنسان يفرح في العيد ويبتهج فيبقى بهذا الفرح والابتهاج قد تصيبه حالة من حالات التجاوز على محارم الله على الذنوب، الإنسان المؤمن واقعاً يكون بين حالات، لعلّها حالتان: حالة إذا أصابته مصيبة لا يُخرجه ذلك ولا يُيئسُهُ من رحمة الله تعالى، وإذا فرح في الرخاء أن لا يجرّأه ذلك أيضاً على معصية الله تعالى، -ولاحظوا- لا اليأس من رحمة الله تعالى صحيح لأنّه من الكبائر، أن ييأس الإنسان من رحمة الله مهما عمل من الذنوب لابُدّ أن لا ييأس فإنّ رحمة الله تعالى واسعة، ولا الأمن من مكر الله تعالى أيضاً حسنة فإنّه من الكبائر أيضاً، عندما تقرأون الأفعال المحرّمة أن الإنسان ييأس من رحمة الله هذا بنفسه حرام لأنّ رحمة الله واسعة لا تُحدّد بيأسك، فلا تُضيّق الرحمة لأنّ هذا تدخّل في سلطان ورحمة الله تعالى، ولا الأمن من مكر الله تعالى صحيح بل هو أيضاً من الكبائر أن الإنسان يأمن من مكر الله تعالى، يقول هذا ذنب صغير الله تعالى لا يؤاخذني عليه، هذا أمنٌ من مكر الله تعالى وهذا غير صحيح، التوبة لابُدّ أن تكون سابقة، الإنسان إذا أذنب -والعياذ بالله- زاغ قلبه أو وقع، عليه أن يتدارك وهذا التدارك لابُدّ أن يكون فوريّاً، لذلك صار وجوب التوبة وجوباً فورياً، الإنسان عندما يُذنب لابُدّ أن يتوب يجب أن لا يقول بعد ذلك أتوب، فهذه المحقَّرات الإنسان يستضعف هذا الذنب ذنبٌ قليل، واقعاً نحن عندما نرى عظمة الله تعالى نرى أنّنا تجاوَزْنا على سلطان الله تعالى، الله تعالى لم يحدّ هذه الحدود اعتباطاً ولم يحدّ هذه الحدود نسياناً أو اشتباهاً أو سهواً وإنّما جعل هذه الأمور كلّها وفق ميزانٍ واحد وميزانٍ عادل، فالإمام(عليه السلام) يركّز ويقول، وهذه الآيات الشريفة منبّهة أيضاً (اتّقوا المحقَّرات من الذنوب فإنّ لها طالباً يقول أحدكم أذنب وأستغفر) وهذه القاعدة خاطئة جدّاً، الإنسان عليه أن يبتعد عن هذه المحقَّرات ويوطّن نفسه على الاستغفار دائماً لا على الذنب.
متّعنا الله تعالى وإيّاكم بدنيا لا معصية فيها، وتوبةٍ دائمة، وأخذ الله تعالى بأيدينا وأبصارنا وأسماعنا وقلوبنا لما فيه رضاه، وما فيه خير الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين..
الخطبة الثانية:
دعت المرجعيةُ الدينية العُليا القوات الأمنية وبجميع صنوفها أن ترفع من مستوى أدائها الى أعلى حالة من الشجاعة ورباطة الجأش والبسالة والدقة في الأهداف، والهمة في ملاحقة العدو وتوخّي الحذر الشديد من أن يصاب أي مدني بسوء مهما كانت طائفته أو انتماؤه السياسي.
جاء هذا خلال الخطبة الثانية ليوم الجمعة (4شوال 1435هـ) الموافق لـ(1آب 2014م) في الصحن الحسيني الشريف، والتي كانت بإمامة السيد أحمد الصافي والتي بيّن فيها أموراً أربعة:
الأمر الأوّل:
مع انقضاء عطلة العيد من المقرّر أن يبدأ مجلس النواب بعمله، وأمامه مشاريع وقوانين مهمة، أحدها مشروع قانون الميزانية لهذا العام الذي تأخّر إقراره من الدورة البرلمانية السابقة، وأدّى ذلك الى التأخير في إنجاز الكثير من المشاريع وتسبّب في أضرار اقتصادية فادحة بالبلد، نأمل أن تتعاون الكتل السياسية في إنجاز هذا القانون بما يُراعي مصالح المواطنين بعيداً عن التجاذبات السياسية، ومن أهمّ القوانين التي يجب الإسراع في إقرارها هو قانون المحكمة الاتحادية العليا وقد أُنجزت مسودّته في الدورة السابقة إلّا بعض الأمور الطفيفة، إن هذا القانون يحظى بأهمية بالغة فإنّ من مهام المحكمة الاتحادية العليا بموجب المادة (90) من الدستور هو تفسير نصوص الدستور والفصل في المنازعات التي تقع بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات، واليوم يوجد هناك العديد من القضايا النزاعية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وكذلك بين الحكومات المحلية في المحافظات وبين الحكومة المركزية، وقسم من هذه المنازعات يتعلّق بتفسير نصوص الدستور، حيث يفسّر كلُّ طرفٍ النصّ الدستوري وفق ما يراه، فلابُدّ من الإسراع في إقرار قانون المحكمة الاتحادية العليا وتعيين أعضاء المحكمة لتبتّ في هذه القضايا وهذا أحد مقتضيات الالتزام بالدستور وتطبيقه من دون انتقائية، الذي يدعو الجميع اليه.
الأمر الثاني:
بقي أسبوع واحد من المهلة الدستورية لتكليف السيد رئيس الجمهورية مرشح الكتلة الأكبر عدداً لتشكيل الحكومة القادمة ويأمل الجميع أن يتمّ هذا الأمر في المدة المتبقية وفق الأطر القانونية وقد مرّ التأكيد أكثر من مرة على أن الظروف الحرجة التي يمرّ بها العراق والتحديات الكبيرة التي يواجهها تحتّم أن تحظى الحكومة القادمة بقبول وطني واسع لتتمكّن بالتعاون مع الكتل الرئيسة في مجلس النواب من وضع وتنفيذ الخطط الضرورية لمواجهة الأزمات التي تعصف بالبلد، إنّنا نأمل أن يدرك الجميع مدى خطورة الوضع الراهن وأن تعي القيادات السياسية حجم المسؤولية العظيمة المُلقاة على عاتقهم في العبور بالبلد الى شاطئ الأمان، فلا يرتضي أي واحد منهم لنفسه أن يكون عائقاً أمام تحقّق التوافق الوطني لإدارة البلد في المرحلة القادمة وفق أسس سليمة بعيداً عن المحسوبيات والمحاصصات غير الصحيحة.
الأمر الثالث:
قبل أيام قامت عصابات داعش التي تسيطر على أجزاء من البلد ومنها مدينة الموصل الحدباء بهدم العديد من المساجد والمقامات والمراقد الدينية، ومنها مسجد النبي يونس(عليه السلام) وسط ذهول ودهشة العالم بأجمعه من المستوى الذي بلغته هذه العصابات في البعد عن المعايير الإنسانية والإسلامية، إنّ هذه الممارسات المستنكرة تؤكّد مرةً أخرى مدى الحاجة الى تعاون المجتمع الدولي مع الحكومة العراقية لمواجهة هذه العصابات التي تشكّل خطراً لا على العراق والمنطقة فقط بل على جميع العالم.
الأمر الرابع:
لا يخفى على الجميع أنّ القوات البرية والجوية وطيران الجيش يقاتلون المجاميع الإرهابية في أماكن متعدّدة من البلد لغرض تطهير بلادنا الحبيبة من شرورهم، وهم بذلك يتحمّلون مسؤوليتهم الوطنية والأخلاقية والتاريخية في الدفاع عن البلاد وهي مسؤولية تقتضي أن يرتفع مستوى أدائها الى أعلى حالة من الشجاعة ورباطة الجأش والبسالة والدقة في الأهداف والهمة في ملاحقة العدوّ وتوخّي الحذر الشديد من أن يُصاب أيّ مدني بسوء مهما كانت طائفته أو انتماؤه السياسي.