منذ طفولتنا تعودنا على مسك القلم للكتابة، ورافقنا هذا القلم على مقاعد الدراسة لسنوات طويلة، ولم نكن نتصور يوما أنه سيفارق أصابعنا، ولكن مع ظهور الحواسيب ولوحات المفاتيح ثم اللوحات الرقمية التي غزت البيوت ومكاتب العمل في البلدان المتقدمة، بداية من العام 2010، تغيرت عاداتنا في الكتابة، وابتعدنا نوعا ما عن استخدام القلم والورق.
والآن هناك مدارس بدأت في التخلي شيئا فشيئا عن اعتبار القلم آداة رئيسية للكتابة، هذه المدرسة الخاصة لتعليم اللغة الإنجليزية في جينيف، أنفقت ما يناهز ثمانمائة ألف يورو على مدى ثلاث سنوات، لتجهيز كل قاعات الدرس بلوحات رقمية.
خلال حصة الدرس، يستخدم كل طالب لوحته الخاصة المجهزة ببرامج تربوية محددة.
“اقرؤوا كل الأسئلة بتمعن واختاروا الكلمات المناسبة لملء الفراغات“، تقول مدرسة اللغة الإنقليزية هذه والتي يمكنها رؤية إجابات الطلاب على لوحاتهم الرقمية مباشرة، أثناء قيامهم بالتمرين،
وعوض السبورة السوداء، تستخدم المدرسة جهاز عرض فيديو لإظهار صورة لوحتها الرقمية الخاصة بها.
تقول هذه المدرسة:” نحن بحاجة إلى الاستفادة من مهارات القرن الحادي والعشرين، تلك التي سيحتاجها أطفالنا عندما يبدؤون حياتهم العملية، في الوقت ذاته أعتقد ان الكتابة تسمح باتصال مناطق في الدماغ، بطريقة مختلفة عن اتصالها عند الكتابة باستخدام لوحة المفاتيح مثلا.”
طريقة التعليم الرائدة في المعهد الثانوي دو ليمان بجنيف، قد تكون مقدمة لتحول تاريخي.
السيدة كلير كليفاز، أستاذة وعضوة في مختبر الثقافات والعلوم الإنسانية الرقمية في جامعة لوزان، ترى أن إختفاء القلم قد يمثل صدمة حضارية، وتحولا لا يقل أهمية عن التحول الذي أحدثه اختراع الطباعة من قبل غوتبورغ عام 1455.
إذ تقول:“ربما نحن ذاهبون نحو تغير كبير إلى حد ما.
أعتقد أنه يصعب علينا حاليا القول بأننا لن نستخدم القلم للكتابة مستقبلا.ولكن أعتقد أننا قادرون على التكيف والاستفادة القصوى من طرق الكتابة الجديدة المتوفرة لدينا. على الإيفون أوعلى الإيباد نحن نستخدم اليد للكتابة ولكن ما نفتقده حقا، هو هذا التواصل بين الجسد والورق، وهذا برأيي تغير حضاري هام. الفيلسوف جاك دريدا قال :“إنها مرحلة تاريخية جديدة تولد قلقا“حسنا هذا ما استنتجه، وشخصيا سأكون مهتمة بمتابعة الثقافة الجديدة التي ستتطور مع هذه الوسائط الإلكترونية.
نحن نرى أن مكانة الكتابة تغيرت واتجهنا أكثر فأكثر نحو ثقافة النص والصورة والصوت، كما أن الصورة والصوت تزداد أهمية أمام النص.”
العديد من الدراسات أظهرت في المقابل، تأثير تعلم الكتابة اليدوية على التطور المعرفي للأطفال. لكن في الوقت الراهن، لا شيء يبرهن بشكل قاطع على أن استخدام لوحة المفاتيح للكتابة هو أمر إيجابي أو سلبي لنمو الدماغ.
تقول الخبيرة ميشيل كوفمان:“هناك فرق بالتأكيد بين القيام بحركة مهيكلة للكتابة على الورق وبين القيام بحركة مهيكلة للكتابة باستخدام لوحة المفاتيح، لكن لا أعتقد أنه تم القيام بدراسات كافية، على الأقل حاليا، للقول بوضوح أن أسلوب الكتابة النسخية، مقارنة بأساليب أخرى للكتابة سيكون له تأثير على نمو الطفل.”
القلم قد يكون على وشك خسارة المعركة أمام تقنيات الكتابة الحديثة. وفقا لتقارير نشرها معهد يورومونيتورEuromonitor في العام 2012، تراجعت مبيعات الأقلام بصفة ملحوظة في معظم الدول الغربية.
في المقابل وبالتحديد في سويسرا ارتفعت مبيعات الأقلام الفخمة والراقية التي قد تتحول إلى وسيلة للعودة إلى الأصل.. إلى فن الخط.