منذُ خمسةِ أعوام ونحن نجتمع في هذا المكان الطاهر والمقدس؛ لننهلَ من بركات الإمام الحسين(عليه السلام) وعظيمِ عطائه، فالمبدعون يُحسنون استثمار نوافذ الخير لتوظيفها في رقيّ أعمالهم ونتاجاتهم الأدبية، جاء هذا ضمن كلمة العتبة العباسية المقدسة التي ألقاها رئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية فيها السيد ليث الموسوي، خلال حفل افتتاح مهرجان المسرح الحسيني الخامس، والذي يقام تحت شعار: (المسرح الحسيني لوحة فكر يخطها المبدعون) وللفترة من (26جمادى الأولى 1435هـ ولغاية 28منه) والموافق لـ(28-30آذار 2014م).
وأضاف: "حيث أن المبدعين يُجمعون على ضرورة الدقة والتأنّي باختيار الموضوعة التي تستثير في مخيلتهم ثيمة الإبداع، لتفتح أمامهم آفاقاً رحبة لاستكمال عناصر الجمال وأناقة الخطاب لإقناع المتلقّين وجذبهم نحو التفاعل مع مضامين ذلك الخطاب، فالكاتب المسرحي ينبغي أن يكون واعياً بما يكفي ليتمكّن من استثمار الأحداث التاريخية بسماتها ودلالاتها الفكرية والأخلاقية وأبعادها الإنسانية، وربطها بالحياة الواقعية المعاصرة فيقدّم للجمهور قالباً متماسكاً يجمع عنده بين متعة المشاهدة وفائدة التلقّي، مع إبقاء التوازن والتفاعل الدرامي بين الفكر والشكل الفني للنص المسرحي، فهي ضرورة منطقية وجمالية ملحّة لصناعة النص الحي المتكامل، ونعني به ذلك النصَّ المتحرّك والمتنامي الذي يعطي لطاقم الإنتاج وعلى رأسهم مخرج العمل المسرحي، يُعطيه الفسحة والمساحة الكافية لإظهار ابداعاته وتجلياته الفنية".
مبيّناً: "على العكس من ذلك تماماً حين يقدّم الكاتبُ المسرحي نصاً جامداً ويخاله متكاملاً، فيزعم أنّه قد أحكم جميع الصور المفروضة والمتوقعة للموضوع داخل نصه، فلا يحتاج المخرج المسرحي بذلك إلا إلى عبقرية التنفيذ، وهذا كما لا يخفى عليكم أخوتي الأفاضل تقييدٌ بل تقزيمٌ لمخيّلة وإبداع المخرج الماهر فكاتب النصّ المسرحي البارع هو من يضعَ في نصّه ثيماتٍ وومضاتٍ تفتح مساحات واسعة أمام المخرج المسرحي، لإعِمال مخيلتِهِ وفنّه الإبداعي لإخراج عمل مسرحي ناجح.
وهذا هو الهدف الرئيس الذي سعى مهرجانكُم هذا لتأسيسه وبالتالي جني ثماره المتوخاة منه، فمنذُ السنةِ الأولى لمهرجان المسرح الحسيني، والذي اتفق الباحثون المختصون حينها من خلال ما قدّموا من بحوث وآراء، وتوصيات ورش العمل التي عُقدت على هامشه اتفقوا جميعاً على وجود جذورٍ تاريخية لإعمال مسرحية تروي أحداث وصور واقعة الطف الخالدة".
مؤكّداً: "ومن التوصيات التي خرج بها المؤتمِرون حينها هي إطلاق مسابقة النصّ المسرحي الحسيني ليتبارى من خلالِها المبدعون في نصوصِهم المسرحية وفق معايير وعناصر أكّد عليها المختصون بضرورة عدم تجاوزِها عند كتابة النصوص المسرحية الحسينية.
فكانت حصيلة النصوص المسرحية المقدّمة للمهرجان في نسخته الثانية، والتي جاءت مطابقةً لشروط المسابقة وكانت تحت نظر اللجنة التحكيمية هي (39 نصّاً).
أما النسخةُ الثالثة للمهرجان فقد تنافس على المراتب الأولى أكثر من (40 نصّاً)، وحينها قد أوصت اللجان المختصّة للمهرجان أن يتبنّى القائمون عليه إنتاج أحد النصوص المسرحية الفائزة لتُعرض ضمن فعاليات المهرجان بنسخته الرابعة، والتي كان عدد النصوص المشاركة فيها (57 نصّاً)، فوقع الاختيار على مسرحية: (تحت ظلال الطف) للكاتبة السورية بارعة مهدي، والتي أخرجها الأستاذ الفاضل الدكتور علي الشيباني، والتي نالت استحسانَ أهلِ الفن ونقّادِ أعمال المسرح وبنسبة كبيرة، الأمر الذي دفع القائمين على المهرجان بالتفكير الجدي في ضرورة تبنّي العروض المسرحية، فكانت من ضمن توصيات النسخة الرابعة للمهرجان هي أن تُضمّ لفعاليات المهرجان في نسخته الخامسة مسابقة العروض المسرحية لخمسةٍ من النصوص العشرة الفائزة في النسخة الرابعة، وفعلاً قد تبنّى القائمون عليه هذه المسابقة لتكون إحدى فعاليات المهرجان لهذه السنة (الخامسة)، والتي كانت حصيلة النصوص المشاركة فيها (42 نصّاً)، والتي ستُعرض نتائج العشرة الفائزة منها خلال حفل الختام بإذن الله تعالى.
وما هذا النموّ الذي شاهدتموه أخوتي الأفاضل في فعاليات هذا المهرجان السنوي المبارك إلا دليلٌ ظاهرٌ على جدية الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة في تبنّي المشاريع الثقافية متى ما كانت ناهضةً وفاعلة في الوسط النخبوي ومنفعلة في الوسط الجماهيري، فبعد أن لمست النتائج الطيبة لم تدّخر جهداً في توسعة رقعة الفعاليات ما دامت تحقّق الهدف المنشود في تعميق الصلة بينها وبين روّاد الأدب والفن الملتزم لإغناء الساحة الأدبية بالكثير من الأعمال الهادفة بغية الرقيّ بثقافة المجتمع، فميزان رقيّ المجتمعات إنّما يكون بثراء فكره وأدبه وثقافته.
ولا نبخس فاعلية النخبة الطيبة من روّاد مضمار فنون المسرح الملتزم الذي كان لهم دورٌ هامٌّ في إنجاح هذا الملتقى السنوي المبارك، ونخصّ منهم بالذكر الطيب الأخوة الأساتذة المختصين في الفنون المسرحية، والذين شاركوا منذُ السنة الأولى وحتى هذه السنة في بحوث ودراسات وورش عمل ومدراء جلسات وطواقم تحكيمية وكتّاب ومخرجين مسرحيين وممثلين..
حيث سعت هذه النخبة الفاعلة معنا وبنَفَسٍ طيّب ومبارك للرقيّ بهذا المهرجان للوصول به إلى ما يليق بهذه البقعة الطاهرة، فعظيم شكرنا وامتناننا موصولٌ لهؤلاء الأفاضل على كل ما قدّموه".
وفي ختام كلمته قدّم الموسوي الشكر باسم العتبة العباسية المقدسة للحضور الكريم على التفاعل الكبير، كما وجّه الشكر لطواقم العمل في اللجنة التحضيرية، والأساتذة الأفاضل في اللجنة التحكيمية، والجهات الساندة من أقسام العتبة العباسية المقدسة، بالإضافة للإعلاميّين على حضورهم للتغطية الإعلامية من صحف ومواقع الكترونية وقنوات فضائية.