كانت وما زالت العتبة الكاظمية المقدسة منبع لنشر العلم والثقافة الإسلامية وحاضرة للفكر والمعرفة ومشعلاً للهداية تنير دروب سالكي مدرسة أهل بيت النبوة(عليهم السلام)، واليوم تساهم أمانتها العامة وبخطوات واثقة في تأسيس صرح ديني وعلمي جديد يضاف إلى سجل مشاريعها الثقافية في الصحن الكاظمي الشريف ألا وهي مدرسة الجوادين(عليهما السلام) الدينية للدراسات الحوزوية بإشراف مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف) ، وتسعى من خلال هذا المشروع المبارك لإطلاق صوتها الرسالي الهادر من مدينة الإمامين الهمامين موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجواد(عليهما السلام) لإيصال التعاليم السماوية وأهداف المدرسة المحمدية وإحياء تراثها العلمي الثر إلى المجتمع الإنساني، وبناء الإنسان المسلم فكرياً وعقائدياً وتربوياً وأخلاقياً، حيث أقيم صباح يوم الثلاثاء 16 جمادى الأولى1435هـ الموافق 18/3/2014م حفل افتتاح مدرسة الجوادين(عليهما السلام) الدينية للدراسات الحوزوية على قاعة أسد الله الحمزة بن عبد المطلب(عليه السلام) في رحاب الصحن الكاظمي الشريف بحضور معالي رئيس ديوان الوقف الشيعي سماحة السيد(صالح الحيدري) والأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة أ.د(جمال الدباغ) وممثلي العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة وممثلي مكتب المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف) ونخبة من علماء الأفاضل وأساتذة الحوزة العلمية ووجهاء مدينة الكاظمية المقدسة ، استهل الحفل بتلاوة آيٍ من الذكر الحكيم عطر بها أسماع الحاضرين القارئ السيد(عبد الكريم قاسم)، بعدها ألقى الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة كلمة بهذه المناسبة جاء فيها: ( إنه لشرف عظيم أن نلتقي في رحاب الإمامين الجوادين(عليهما السلام) في غمرةٍ وسرور لافتتاح مدرسة الإمامين الجوادين(عليهما السلام) للدراسة الحوزوية، لنُعيد لهذه المدينة المقدسة تأريخها المشرف بالعلم والعلماء، فلقد شُرّفَتْ الكاظمية بالإمامين (عليهما السلام) وسُميت بهما، وانتسبَت إليهما، فتخرج من مساجدها ومدارسها العلماء والأفاضل والكُتاب والأدباءُ، بَلْ غَدَتْ في مراحل متعددةٍ من تأريخها وعاءً للعلم والعلماء والمجاهدين، فكانت الكاظمية كعبة لأهل العلم، قصدها الطلبة والمشتغلون من كل حدب وصوب، فضلاً عن الفضلاء من أهلها، وتتلمذ فيها ونالوا المراتب العالية، خصوصاً في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري..
وأضاف قائلاً: من أجل ذلك كانت هذه الخطوة المباركة لسماحة مرجعنا الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) في تأسيس هذه المدرسة الدينية، لتحتضن أبناءنا الأعزاء، وتحصنهم بسلاح العلم والعقيدة، ليكونوا دعاةً في توعية المجتمع نحو الخير والصلاح، ونشر الفضيلة والفقه والأخلاق، والوقوف أمام الغزو الثقافي الذي يحاول أعداؤنا أن ينشروه بينَ أبنائنا، لذلك حرصت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة امتثالاً للتوجيهات المرجعية المباركة، أن تذلل الصعاب كُلها وتُهَيا الوسائل والأسباب من أجل إيجاد جوٍ علمي يلائم طبيعة الدراسة الحوزوية, فنسأل الله أن يوفقنا لخدمة العلم وطلابه، ويسدد طلبتنا الأعزاء في مسيرتهم العلمية المباركة).
بعدها ألقى سماحة الشيخ (عامرالهرندي) كلمة إدارة مدرسة الجوادين(عليهما السلام) قائلاً: ( إن الحوزة العلمية في الكاظمية المقدسة لها عمق تاريخي وامتداد لأكثر من 1000 عام ، فهي مدينة علمية وحاضرة إسلامية امتدت منها كل الحواضر العلمية في العالم الإسلامي، فضلاً عن إنها تضم الجسدين الطاهرين للإمامين الجوادين(عليهما السلام)، ومن هنا جاءت فكرة الإحياء والانبعاث من جديد وليس تأسيساً وإنما صلة مع تاريخٍ علميٍ عظيم، ولأجل ذلك حثت المرجعية الدينية الرشيدة المتمثلة بسماحة السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف) بمواكبة هذا الانبعاث العلمي من خلال تأسيس هذه المدرسة المباركة، لتكون نواةً لحوزةٍ علمية تتبنى المنهج الدراسي المعمّق على غرار الدراسة في الحوزة الأم في النجف الأشرف متكفلةً نظاماً دراسياً يوصِل الطالب لمستوى يؤهله لدخول أبحاث الخارج، وتستقبل طلابها من بغداد والمدن المجاورة لها، ونسأل الله تعالى ونحن بجوار الإمامين الجوادين(عليهما السلام) أن يعيننا لتحقيق الهدف المرجو في نشر علوم آل محمد (عليهم السلام) وتبنّي المجتمع نهجهم فتزهو الكاظمية المقدسة بطلاب العلم الذين يحملون الخير والبركة .. )
كما تخللت هذه المناسبة إلقاء قصيدة رائعة للأستاذ الشاعر (رياض عبد الغني الكاظمي) كان مطلعها :
تعادهتِ جذراً في ترابكِ مغروساً وأحييتِ صرحاً من تراثكِ مدروسا
واختتم قصيدته بالتاريخ الشعري لهذه المناسبة الكريمة قائلاً:
أزفّ إلى مولاي موسى بشارةً بها الهّم يجلو والجراحُ بها توسى
غدا العلمُ في أفياك حيّا فأرخوا مقيماً فقد أوتيت سؤلك يا موسى
واختتم الحفل بجولة ميدانية في رحاب صحن التوسعة للاطلاع على المشاريع كما شملت زيارة شعبة النقش والزخرفة ومشاهدة الأعمال الفنية والابداعية التي تنم عن أصالة وتاريخ مدينة الكاظمية المقدسة، في الوقت ذاته استمع معالي رئيس ديوان الوقف الشيعي الذي كان برفقة الأمين العام للعتبة الكاظمة المقدسة أ. د (جمال الدباغ) إلى شرح موجز عن مراحل الإعمار التي تشهدها العتبة المقدسة ابتداءً من الأعمال الجارية في قاعة جعفر الطيار(عليه السلام) والأبواب الخارجية لصحن التوسعة، فضلاً عن اطلاعه على مشروع تطوير المنطقة المحيطة للصحن الكاظمي الشريف .